يُعد التصويت وسيلة هامة وأساسية، يُمكن للأفراد من خلالها التأثير على القرارات الحكومية. والتصويت هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات. والإستفتاء على دستور جديد أو إجراء تعديلات على القديم، لا يختلف في المعنى عن الانتخاب، فنتائج كليهما تؤثر على مستقبل بلد بأكمله، وشعب يعيش فيه.
غالباً ما يجري التصويت والاستفتاء ضمن عملية انتخاب تتم على المستوى الوطني أو المقاطعة بحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جرى اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 بما يشبه الإجماع، وقد أقر الإعلان بما للانتخابات النزيهة والشفافة من دور في ضمان إعمال الحق في المشاركة في الشؤون العامة.
وليبيا كغيرها من الدول، وقعت على ميثاق الأمم المتحدة، وهي دولة يُفترض منها أن تقوم بمراعاة حقوق الانسان وممارسة صلاحياتها في الشؤون الداخلية بموجب القانون الدولي، الذي يفرض عليها إجراء العمليات اللازمة لضمان حقوق مواطنيها ومستقبلهم. ولكن ماحدث في الآونة الأخيرة من تطورات سياسية سريعة، من خلال الوصول إلى اتفاق بشأن مشروع دستوري في الإطار القانوني الذي ستُجرى بموجبه انتخابات ديسمبر المقبل في إطار الحوار السياسي الليبي، تدعو للتوقف والنظر في حيثياتها.
ففي إجتماع اللجنة الدستورية الليبية في الغردقة، المؤلف من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تقرّر إجراء استفتاء على مقترح دستوري أعده المجلس لصياغة الدستور على أساس القانون رقم 6 لسنة 2018 المعدّل بالقانون رقم 1 لسنة 2019 قبل الانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021. كما اتفق أعضاء المجلسين على تعديل المادة 6 من القانون رقم 6 للمصادقة على عتبة إقرار الدستور.
لكن الإتفاق في تفاصيله يُلغي حق النازحين الليبيين بالاستفتاء أو الترشح والإنتخاب. ويحرم أعضاء ومؤيدي وأقرباء نظام العقيد الراحل معمر القذافي من حق التصويت على أي حدث سياسي في البلاد. مما يُعد خرقاً واضحاً للمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه:
– لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
– لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
– إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تُجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مُكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
مما تقدّم نجد أن الإتفاقات السياسية الناتجة عن الحوار بين الفرقاء السياسيين الليبيين مُنحازة ولا تُحقق تطلعات الشعب الليبي المتلهف لممارسة حقه الطبيعي في المشاركة في الحياة السياسية ولعب دور بناء في مجتمعه. وكل فريق سياسي ليبي من الفرقاء الحاليين يعمل وفقاً لمصالحه وأهوائه على حساب مستقبل شعبه ووطنه، ويوظف جهوده لإرضاء حليف أجنبي، أو خدمة لمصالح معادية متربصة بثروات ليبيا ليتقاسم معها الغنيمة.
إن لمنظمة الأمم المتحدة في شخص مندوبتها الأمريكية ستيفاني ويليامز، دور محوري في توجيه الدفة السياسية في ليبيا، إما بما يحقق الإصلاح بحسب الأسس والأهداف الحميدة التي بُنيت عليها منظمة الأمم المتحدة، أو بما يحقق غايات وأطماع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في الحفاظ على حالة الأزمة الراهنة، من أجل تحقيق المزيد من الفوضى وإستغلال الثروات التي تتميز بها ليبيا.
وعلى الشعب الليبي التيقّن لهذا الأمر، وأن يكون على دراية لما يحدث من تغيرات سلبية في بلده ويواجهها بكل ما يستطيع، فالأزمة التي تعيشها ليبيا تنتهي فقط بإرادة شعبها.